مصراتة الأبية
لعل الكثيرين من القراء الكرام يحسون هذه الأيام ما أحس به من شعور غامر بالسرور، وكأننا في حلم جميل أتى بعد عهود كثيرة من الكوابيس المخيفة. هذا الشعور الغامر بالسرور سببه الملاحم الكبرى المجيدة لثوار شعبنا العظيم ضد طاغية العصر.
ما كنت أتخيل أبدا أن أرى أبناء شعبنا الكرام يحملون السلاح ضد هذا السفاح الخسيس، ويخطون بدمائهم الزكية أجمل صفحات البطولة والإباء. مادار بخلدي قط أن يأتي اليوم الذي أرى فيه مدننا العظيمة بنغازي، الزنتان، البيضاء، الزاوية، اجدابيا، مصراتة، نالوت، يفرن، وبقية مدن الجبل الغربي الأشم، وهى تنتفض لتقارع حكم الإرهاب والدجل، مع إدراكها لحجم التحديات، وشدة حقد وخسة العدو الذي يواجهونه.
لقد منّ علينا الجبار سبحانه وتعالى برؤية هذه الانتصارات العظيمة وكأنها تعويض عن عقود الذل والهوان التي عشناها تحت حكم من نال بجدارة قصب السبق في اللؤم والنذالة، والجبن والحقد بين طغاة العالم أجمع، الإرهابي القذافي.
من ظن يوماً أننا سنكتب عن أسود مصراته الذين مرغوا أنف الطاغية الجبان في التراب، وأدخلوا في قلبه الأسود الرعب والهوان، وأزالوا من رأسه البليد وساوس الشيطان، ورفعوا نفوسنا و رؤوسنا عاليا، حتى ليخيل للواحد منا أنه يكاد يطأ الثريا، ويناطح النجوم جذلا وسرورا.
كم كنت أتمنى أن أبدأ بالكتابة عن الذين نالوا القدح المعلى في الشجاعة والصمود من بين هؤلاء الأسود كمحمد الحلبوص، الذي أصبح كالاسطورة رحمه الله وتقبله شهيدا عنده، والعميد الطيار علي عطية العبيدي الذي يحس الإنسان وهو يستمع إلى كلماته أنه يستمع إلى زئير أسد وليس إلى كلمات إنسان، رحمه الله وجعل قبره روضة من رياض الجنان، بيد أن الذي أكتب عنه لا يختلف عن هذين البطلين كثيرا، وإن كانا أكثر منه شهرة، وأعظم قدرا فيما يظهر لنا والله أعلم. إنه البطل مخزوم حسن مخزوم.
ولد رحمه الله سنة 1982 في منطقة الأسواك، بمصراتة. كان أبوه ممن تعرضوا لظلم الإرهابي القذافي حين زج به مع الآلاف من أبناء شعبنا في عدوانه على دولة تشاد المسلمة، ولعل المغرور توهم أن تشاد ستكون فاتحة غزوه لدول إفريقية كثيرة، لكنه تعرض لهزيمة نكراء، ثم توالت الهزائم عليه بعد ذلك حتى أصبح أكبر مهزوم في تاريخ الطغاة، وهزيمة شعبنا العظيم له قريبا ستكون خاتمة هزائمه التي ستُزهق فيها روحه التعسة المشؤومة. وعجبي من مغفلين سذج يلهثون وراءه وكأنه فاتح عظيم، وقائد فذ، مع أن تاريخه ينضح بالهزائم، ليس فيه انتصار واحد على عدو!.
شارك البطل مخزوم حسن مخزوم في معارك الجبهة الشرقية مثل تحرير النقل الثقيل، وكرزاز، وعمارات شانطين، ثم طمينة، والكراريم، وشارك في بعض معارك تاورغاء. وكان في هذه المعارك كلها تحت قيادة البطل محمد الحلبوص، الذي كان يكن له مخزوم حبا عميقا وإعجابا شديدا، ولم لا، وقد كان الحلبوص رحمه الله يتصدر مقاتليه حين تُخاض المعارك ويلعلع الرصاص، وليس مثل المجرمين أبناء الإرهابي، الذين هم كأبيهم الجبان يقودون المعارك من جحورهم عبر الهواتف وأجهزة الاتصال الأخرى، وحين تشتد المعارك ويخيم الموت على ساحة الوغى ،يفرون كما فعل الماجن المعتصم في معركة البريقة مؤخرا.
كان فيه رحمه الله شجاعة قريبة من تلكم التي كان يتحلى بها قائده البطل محمد الحلبوص، فقد كان يعترض على توقف القتال ضد عصابات القذافي، والذي عادة تفرضه اعتبارات عسكرية، ويريد الاستمرار، ليس من باب حب القتل، ولكن بسبب رغبة شديدة في دحر عدو ظالم حقود، ورغبة جامحة في نيل الشهادة.