لا يماري عاقل في أن العام الميلادي الذي يوشك أن يرتحل، هو عام عربي بامتياز، إذ شهد العالم العربي فيه – وما زال يشهد – تحولات تاريخية استثنائية، استهلها الشعب التونسي بثورته السلمية على استبداد ابن علي وتغريبه القهري لمجتمع عريق في إسلامه وفي عروبته، ثم تلاها انتفاض المصريين على محاولات رئيسهم مبارك لتكرار التوريث الأسدي للجمهورية، لينتهي الرجل في قفص المحكمة، في حين كان ثمن اقتلاع القذافي باهظاً، ليتراوح اليمن في مناحرة عبثية بين رئيس متمسك بسلطته وكثير من اليمنيين الراغبين في الانتقال إلى حكم يتداول فيه الزعماء على مواقع المسؤولية إلى أمد محدد لا يتجاوزونه·
ومن فضل الله تعالى على أهل اليمن الشقيق، أن وفق ساسته من موالين ومعارضين إلى الإمساك بطوق النجاة الذي ألقاه إليهم إخوانهم في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فكان الفرح النبيل الواعد بولوج بوابة الحل السياسي الهادئ، في مشهد مهيب وأخاذ تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، الذي حض اليمنيين بقلبه الكبير وحكمته الراقية أن ينهضوا بمسؤولية الالتزام ببنود المبادرة الخليجية التي لا تبتغي لهم سوى الخير والاستقرار والازدهار·
وكان هنالك استثناءان أحدهما إيجابي يثلج الصدر، حيث جرى إصلاح دستوري من قبل العاهل المغربي محمد السادس، تلته انتخابات نزيهة تصدر الفائزين فيها حزب إسلامي معتدل·
أما الاستثناء السلبي فينحصر في المأساة السورية، إذ أبى النظام المتعنت في دمشق أن يصغي إلى شعبه أو أشقائه العرب أو أصدقائه المخلصين، وركب رأسه فرفض مساعي البلدان العربية إلى إنقاذه وإنقاذ سوريا العزيزة من المأزق الذي وضعها فيه النظام المتغطرس·
وها هم العرب يضطرون – بعد مهلة تلو مهلة – إلى إنزال عقوبات في حق نظام بشار الأسد، الذي وضعهم أمام خيار لا يستطيعون اتخاذ غيره، فلا مقارنة البتة في ضمير أي عربي مخلص بين مصير بلد حبيب مثل سوريا، وبين نظام انتهج سياسة الأرض المحروقة مع مواطنيه العزل المسالمين· وما زالت الفرصة سانحة – مع أنها ضاقت كثيراً بيد النظام نفسه – لكي يثوب النظام السوري إلى رشده ويستقبل بعثة المراقبين العرب لتقويم الأوضاع بأمانة وشفافية لحماية المدنيين وحماية النظام من مصيره المحتوم إذا ظل سادراً في غيّه واستكباره· لكنها فرصة مؤقتة ولم تعد مفتوحة ولا طويلة·