بعض الفوضى تسود حياتنا في رمضان بينما المفروض أن الشهر الفضيل يهذِّب مسلكنا، ومع ذلك لن نعمم الحكم، فنحن إزاء معضلة السهر في رمضان وهي الممارسة التي أصبحت للأسف الأبرز في ليالي الشهر الفضيل التي كان ينبغي صرفها للعبادة وللقيام ولقراءة القرآن، لكنها تضيع في لهو الحديث والتسمر أمام الفضائيات· ·
ومن الواضح أن المسألة تستوجب حلاً، وقد رأت “الدعوة” ضرورة استقصاء أسباب الظاهرة قبل البحث عن الحلول، وذلك من خلال لقاءات وحوارات مع “السهارى” ثم بعد ذلك مع ذوي الخبرة في الموضوع··
ويقول وائل خالد حسن العوفي: لقد تعود الناس على السهر في رمضان، وهو يمتاز بميزة مختلفة عن سهر الأيام الأخرى وهذه الميزة تكمن في أن الناس من حولك في سهر والسهر في رمضان لا يفسد روحانية الشهر، فقد أصبح عادة تتزامن معه وأغلب الأوقات يكون السهر مع الأصدقاء في حديث ولعب·· ولكن الحل الأنسب لمشكلة السهر في رمضان هو مقاطعة القنوات الفضائية والنوم المبكر·
ويتفق عبدالرحمن مرزوق الجهني مع من سبقه حول اعتياد الناس على ذلك، ويقول: إن سهر رمضان يتميز بوجود السنن التي يحرص المسلم على تأديتها ومنها التراويح والتهجد، والسهر لا بأس به في رمضان إذا كان يجني المرء فائدة منه، ولعل ترتيب الوقت وتنظيمه حل أنسب للقضاء على هذه الظاهرة·
ويتساءل خالد سالم الصاعدي ما إذا كان سهر رمضان أصبح واجباً، ويقول: الناس لا ينامون إلا بعد صلاة الفجر ويأتي الصائم إلى العمل بعين ونصف من السهر·· ولا أرى تميز السهر في رمضان بميزة عن السهر في بقية الأيام فكله مخالف للفطرة· ولعل عدم النوم في النهار والكدح هو الحل الأنسب للقضاء على هذه الظاهرة·
ويقول فيصل سفر الساعدي: إنها عادة تعود الناس عليها وترسخت منذ سنوات، ولكن هذا السهر يمتاز بميزة كثرة الزيارات وتبادلها من قبل الأصدقاء والأهل، فالإنسان طوال النهار صائم لا يلتقي بالأصدقاء والأقارب إلا في الليل لذلك يحتم علينا السهر·
مسألة حتمية
ويرى علي أحمد الشريف: إن سهر رمضان حتمي وذلك بسبب قصر الوقت في رمضان وطبيعة الشهر الذي تقتضي السهر لانشغال المسلم في النهار بالصيام· والحياة الاجتماعية بتواصلها أهم ما يميز ليالي رمضان·· كما أن السهر لا يفسد روحانية الشهر· ولا تعتبر القنوات الفضائية هي السبب الوحيد في السهر فهناك أسباب عديدة·
أما عبدالإله الرويتع فيرى أنه لا سبيل إلى تغيير عادة ألفها الناس منذ سنوات عديدة، ويقول: أغلب الذين يسهرون في رمضان على غير فائدة·· والسهر إذا كان في طاعة الله فانه مرغوب فيه·· والسهر يعتبر عند البعض محاكاة للبعض ومسايرة ومواكبة للعصر فلا يريد أن يختلف عن المجتمع· ولعل الاستفادة من ليالي رمضان بالعبادة والخير يقلل من استمرار السهر في رمضان·
ابعدوا عن الفضائيات
ويحمل فرج غلاب القبلي القنوات الفضائية مسؤولية هذا السهر قائلاً: إن السهر في رمضان يفسد روحانية هذا الشهر الفضيل وأن القنوات الفضائية هي وراء تلك الظاهرة· ويوافقه صالح صيحان البلوي لكنه يضيف إلى الفضائيات الإنترنت ويقول: وهذا السهر إذا كان في غير فائدة فإنه يفسد روحانية الشهر ولعل من الحلول التي تبعد عن السهر في رمضان البعد عن القنوات الفضائية والنوم المبكر·
ويحث نايف عبدالعزيز القفاري الناس على تغيير عاداتهم قائلاً: لا يمكننا التخلص من هذه الظاهرة إلا إذا غيَّر المجتمع من حاله واستفاد من الليل في النوم والعبادة· ويقول سليمان جازي السليمي: المسلم يكون مشغولاً في النهار بالصيام وفي الليل يكون متفرغاً لأعماله وزيارة الأصدقاء والأقارب مما يضطره للسهر، لاشك أنها ظاهرة أوجدتها طبيعة الشهر الفضيل، ولكن بشرط ألا يسرف الناس في السهر إلى آخر الليل لأن ذلك ينافي الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها·
أما الأستاذ الدكتور عبدالرزاق ريان الشريف فيقول: يعتبر السهر في رمضان تغييرا عن جو المنزل عند البعض وهروباً من المنزل والصائم وما يعانيه من تعب ونصب أثناء صومه فإن الليل يكون راحة له ولقضاء حوائجه· ولا يمتاز السهر في رمضان بميزة إلا إذا كان لعبادة الله، والسهر في رمضان يعتبر عادة عند البعض وموضة وتقليداً عند البعض الآخر·
كيف كان السلف
ويقول الدكتور عبدالخالق عبدالله الشعيبي: إن ما يقوم به كثير من الناس في عصرنا هذا من السهر في رمضان فانه يقترب إلى العادة أكثر من العبادة لعدة أسباب منها أنه لم يعهد عن السلف الصالح سهر كل الليل، وقد كان السلف يقضون جلَّ وقتهم في عبادة الله بينما كثير من الناس في عصرنا هذا يقضون جل وقتهم فيما لا فائدة فيه، ولم يعهد عند السلف نوم نهار رمضان بينما نجد في عصرنا هذا من ينام جلّ يوم رمضان· وكانت الغاية من سهر رمضان عند السلف هي العبادة بينما الغاية عند بعض الناس في عصرنا هذا التسلية والترفيه· كل تلك الأمور تجعل السهر في رمضان في وقتنا الحاضر عادة أقرب منها للعبادة·
ضياع رمضان
ويحلل الدكتور مصطفى مخدوم الظاهرة بقوله: إنها ظاهرة عامة وليست حالة فردية ولعل الأسباب مختلفة في رمضان، إنها ظاهرة عامة وليست حالة فردية، فهناك أسباب شخصية ترجع إلى شخصية الفرد وهناك أسباب اجتماعية، ولعل من الأسباب الشخصية المعينة للسهر الفراغ الذي يعاني منه بعض الشباب، كذلك الحالة النفسية للشخص قد يكون لديه ملل أو فتور، كذلك بعض التصورات الخاطئة لدى الشباب مثل إذا أردت أن تصبح شاباً ناضجاً عصرياً فعليك بالسهر، والأمر كذلك مع كثرة النوم في النهار· ومن الاسباب الاجتماعية هي العادات الأسرية والاجتماعيات التي تحصل بعد العشاء، كذلك الأجهزة الإعلامية فإن لها دوراً كبيراً في انتشار هذه الظاهرة ولعل التلفاز يقف في مقدمة هذه الأجهزة، وهناك المحلات التجارية التي لا تغلق أبوابها إلا في ساعات متأخرة من الليل مما يساعد الشباب على السهر· فالنوم في نهار رمضان والسهر في الليل يقتل مقاصد الصيام التي من أجلها شرعه الله، فالصيام شرع لحكم ومقاصد كبيرة منها تزكية النفس والتقوى والإخلاص· أما الليل فهو محل الراحة، ومقاصد الصيام لا تتحقق إلا في النهار، والناس هم الذين جعلوا السهر في رمضان عادة، وان له مواصفات ومميزات لا تجعلها في غيره· فالسهر إذا كان في طاعة الله وقيام الليل لا شك أنه لا يفسد روحانية رمضان، أما إذا كان السهر في اللهو واللعب فإنه يفسد روحانية رمضان· ولعل الحلول الممكنة للقضاء على هذه الظاهرة السيئة تتمثل في أن يبدأ بالفرد نفسه بمحافظته على النظام الشرعي الذي شرعه الله للناس فالليل راحة للناس ورحمة لهم قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا } (61) [غافر: 61] فالإنسان يتجنب المواعيد المطولة بعد العشاء كذلك يتعود الناس ومن حوله ويعرفون أن برنامجه هو عدم السهر في الليل· فلابد من تكاتف المجتمع للقضاء على هذه الظاهرة وعلى أجهزة الإعلام أن تغلق إرسالها مبكراً، والمحلات التجارية مطالبة أيضاً بذلك حتى تساعد المجتمع على الانضباط والالتزام· ولعل العادة كما يقال طبيعة ثانية·· ويقول الشاعر:
فلم ار كالعادات شيئاً
بناؤه يسير وأما هدمه فعسير
وإذن فلا بد أن يبدأ الفرد بنفسه ويعودها على عدم السهر واستشعار فضيلة الشهر·
احذروا المنبهات
أما الأضرار الصحية للسهر فيحدثنا عنها الدكتور خالد سليمان أخصائي باطنية بمستشفى الملك فهد يقول: للسهر مضار صحية عديدة منها أنه يسبب ارتفاع ضغط القلب، كذلك يسبب التوتر العصبي والارق، ويؤدي إلى مشاكل بصرية وصداع، وبالنسبة للمريض بالضغط أو السكر فإن السهر يضاعف هذه الأمراض والسهر له مضاره على الإنسان الصحيح فكيف بالإنسان المريض· والسهر في رمضان أكثر ضرراً لكون الوجبات الرمضانية متقاربة فيتناول الصائم كميات كبيرة من الأكل ويسهر فهذا يؤدي إلى زيادة في عسر الهضم، وأرى أن سبب السهر في رمضان هو الإسراف في تناول المنبهات مثل القهوة والشاي التي يؤدي تناولها بشكل كبير إلى الأرق وقلة النوم، لذا أنصح الصائمين بالتقليل من شرب هذه المنبهات لأنني أرى أنها السبب وراء هذه الظاهرة السيئة التي تخالف شريعتنا الإسلامية·
ويقول الدكتور محمد عيسى أخصائي جراحة: هناك إحصائية طبية عالمية تؤكد بان الأزمات القلبية تحدث عند الفجر، كما أن السهر في رمضان يؤدي إلى فقدان للروابط الأسرية حيث إن أغلب الذين يسهرون يكونون خارج المنزل· والسهر يؤدي إلى تغيير نظام النوم لدى الإنسان (الساعة البيلولوجية) حيث يصادف الإنسان مجهوداً في إرجاعها بعد رمضان، والبعض أثناء السهر يتناول كميات كبيرة من الأكل وهذا يؤدي إلى اضطرابات هضمية وإلى قرحات معدية، كذلك فإنه يسبب البواسير والشقوق الشرجية بسبب جلوس الإنسان فترة طويلة، ولاشك أن السهر مضر بالصحة ولا يجعل الجسم ينمو، لذلك لا يمكننا استئصال هذه الظاهرة من مجتمعاتنا إلا إذا رجعنا إلى النظام النومي الذي رسمه الله لنا في كتابه·
من التحقيق
·· وأخيراً نخرج من هذه الجولة إلى مسألة السهر حيث أصبح في مرتبة الإدمان فالشباب لا ينام إلا بعد صلاة الفجر· وكثير من الشباب يسهر على (الدش)، والبعض الآخر يسهر مع الأصدقاء في حديث ولعب· وأكثر الشباب يخرج من المنزل في رمضان قبل العشاء ولا يعود إلا عند السحور·
ومع ذلك فإن معظم الشباب مع اقتناعهم بعدم جدوى ما يفعلونه إلا أنهم لا يعودون إلى الصواب، فهم تسيطر عليهم عقلية التقليد الأعمى، واتباع الجميع ولو كانت على خطأ·· وعلى كل فليست الصورة بكل هذا السواد فقد رأينا من جانب آخر أن كثيرين لا يوافقون على هذا العبث وأن آخرين على الرغم من انغماسهم فيه إلا أنهم يحاولون الانتقال إلى الجانب الآمن·